لم أكن على يقين كيف يمكنني الوقوف معها..
الفاجعة عظيمة، مصابها مؤلم، لكنها كانت صابرة
ثابتة..
تستيقظ أحيانًا فزعة، تنام على صوته رحمه الله يتلو
القرآن، سورة تتبعها سورة
صوته كان يهز القلب هزًا..
هو الشهيد الحي كما أسميته..
طلبت منها التوقف عن الاستماع له.. كان صوته يثير
فيها كل شيء،ولا تهدأ لها حياة..
- تناسي يا أخية الحياة لن تنتهي.. أتذكرين وصاياه؟!
أرادكِ معلمةً في المدينة حيث استشهد.. أهكذا
ستكونين قدوة لفتيات مدينة دُمرت عن بكرة أبيها؟! وكل من ستعلمينهم إما فاقدلاثنين
أو يزيد؟!
مصابك بسيط حينها أمامهم..
كنت أكرر عليها الكلام كلما واتتني الفرصة..
لست أقلل من ألمها..
أحيانًا يكون التناسي بمثابة عزاء لنا، فكثيرًا ما يكون النسيان هو
الحل الوحيد، ولو أخذ من الوقت أو الجهد ..!
ننسى حتى لا نرهق أنفسنا أكثر و لا نرهق من حولنا ..
و خاصة إن لم يتواجد حلًا بديلًا، فيكون التناسي
حينها الحل الأمثل، و ليس الحل اليسير أو السريع ..
التناسي مطلوب طلب جازم إذا رُجىَ منه راحة القلب والبال..
و إذا كان التناسي هو الملجأ الآمن، بعيدًا عن
أشياء تكدرنا و ليس بيدنا شيء نفعله إلا التناسي ..
..
كان عليها التناسي، تذكّر كل شيء يوم بعد يوم، لن
يجعلها تتقدم في علمها، ولا سعيها لله..
ستظن أن الدنيا توقفت، لكنها لن تتوقف..
ومن سيهتم؟! بنظر من حولها كانت مجرد إرهابية تسعى
لدفن حالها مع شخص منهج حياته الإرهاب..
كان هو كلَّ أملها في الحياة بعد الله..
لكنه لم يرحل كله، ترك لها ذكريات ووصايا، وصوته
العذب بالقرآن يتلو، ومشاهد من عملياته، وبعض الصور التي اختلسها في انشغاله
ليصورها لها.. ولها وحدها..
كان يجب أن تنسى وحسب ..
صحيح ليس كل التناسي مُلزم..
التناسي مذموم أحيانًا عندما ينبع من التكاسل
والتهاون عن أمر هام..
و السلبية و الابتعاد بدلًا من المواجهة ..
كانت ستتوجه لتلك النقطة لو أنها ظلّت تتناسى أمتها
وتذكر آلامها فحسب..
لقد مرت بالكثير غير هذا..
لاشك أن كثير منا محمّل بأكوام وأطنان من الهموم..
تقل تدريجيًا أو تكثر..
لكننا ننساها وتأتي أمور بعدها و ننسى أشياء أخرى
مكانها و تأتى أشياء أخرى ..
وهكذا تدور الحياة..
فما بالنا لو لم نكن ننسى! ونحاول أن نتناسى..
لظلَّ الإنسان يعبأ بالهموم الى أن يصل لنهايته ..
أو يعيش بلا حياة ..
صدق من قال:
"إن
مِن النسيان ما يكون نعمة، ومِن النسيان ما يكون نقمة"
وشتان بين الاثنين في الفعل والتطبيق .
لكن المؤمن لابد أن يشكر ويحمد الله في كل حالاته، مهما
غلب على النفس البشرية من قوة وضعف ..
أعلم يقينًا أن "الحنين إن تمكَّن أوجعا"..
لكن مهما حالت تقديرات الله دون آمالنا،
ثمة منفذ عليكِ البحث عنه..
لعله سيكون أملًا جديدًا..
وقد لا يكون..
يا أخية لا تبرير مقنع لأن تغلقي على نفسك مصارف
الحياة، قابعة في قوقعة من الألم والذكريات..
ترشدك بجنونها للوحدة..
أين عبادتك؟!
أين الأمة وأحزانها في قلبك؟!
أتذكرين؟ قال لكِ يومًا وأبلغتيني: أنه يحب المرأة
المتجلدة، لذا اختاركِ..
أتخيبن ظنه بعدما رحل؟!
وليتنا كلنا رحلنا مثله لرب كريم..
أما أتذكرين أيضًا؟! قالها لكِ ليلة استشهاده [سأذكركِ
عند الله]..
أما تخجلين أن يذكرك عند الله ويجدك على هذه الحال..
نظرت لي وقالت: لا حل آخر على ما يبدو، سأحاول أن
أمضي في الحياة حتى نلتقي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق