السبت، أكتوبر 5

أقصوصات في الحياة (٢)


(2)


 

تطلَّعتُ عبر نافذةِ عقلي فوجدتُ أن ثمةَ ذكرياتٍ بالأمس عالقةٌ في ذهني كأنَّ الليل كان مجرد تجميد لعقلي ليعودَ لنفس النقطة التي توقَّف فيها حين غاب عن الوعي ليلًا..
نعم تذكرت عليّ أن أُعدَّ عصير الليمون صباحًا، أعددته ووزعته واستمتعتُ بكوبي وأنا أتصفح محادثات جديدة..
لفتَ نظري تعليقٌ من صديقةٍ على ما كتبته بالأمس في الليلة الماضية "عودًا حميدًا يا سندس الفؤاد"..
حرَّك هذا الوصف الجميل شعوري، لعلي نزفتُ الكثيرَ من الكلمات بالأمس حتى شعرتُ بالصباح بحاجة لكلمة رقيقة..
نظرتُ لكوبَ الليمون الذي انتهى سريعًا كأي شيءٍ نحبه ..
لم لا ينتهي كوب أختي الصغيرة سريعًا وتظلُّ تتذمر على كِبَره بينما أنا ينتهي كوبي سريعًا رغم أنه نفس حجم الكوب..
- آه بالتأكيد تتدللُّ عليّ لأصر عليها فتشربه..
ظللتُ أفكر، هل الحاجة لكلمات رقيقة بيننا يعد .. نوع من "الدراما" أو نوعًا من "الشفقة" التي نقبلها لأننا ضعفاء..
وبحاجة لشيء يُكمِّل نقصنا..
أنهت أختي الصغيرة كوبها بعد عناء متابعة، أمسكتُه منها وتطلعتُ لها قليلًا ثم قبلتها..
انصاعت لي بابتسامة رضا ولم تعلِّق، لم أشعر منها أنها تراها شفقة
-خطر ببالي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَغِّر أسماء الصحابة توددًا ومحبة ولطفًا..
إذا كان من الدين اللطف فلم يتخيله الناس "دراما" لم أصبَحَ في نظرنا أن الشخص الجاف، القوي، السليط هو النموذج الرائع الذي نحاول بكل قسوةٍ الاقتداء به..

لا يهم  مللت أن أناقش أحد في قسوته وشرح كيف يبدو الود في حياة الانسان أجمل، كيف تغدو الأنانية نوعًا من العذاب النفسي والوحدة، هذا واقع رغم كثرة الناكرين..

حين يعيشُ المرءَ أكثر من ربع قرن عليه أن يؤمن جيدًا أو يدرك بمعنى أدق أن الحياة أخذ وعطاء ولعل العطاء هو أساسُ الأخذ وغير هذا ففي حياته نظر..

أتطلعُ لحياتي ، لصباحي الذي انتهى سريعًا لملمتُ أشيائي وانطلقتُ إلى الجامعة أتطلَّعُ للشارع عبر النافذة، التركيز على وجوه محدودة أمر خاطئ أفكر في أني لو كتبت أن النظر للرجال محرم بصريح العبارة كم عدد الأشخاص التي ستنعتني بالتخلف..
ننافق أنفسنا قبل الآخرين..
كنت أتحفَّظ في حروفي سابقًا لعل الناس لا ترى مني ما لا تحب..
ونظرًا ل خمسة وعشرين عامًا من التجارب .. لم أعد أهتم بمن سينعتني بالتخلف ومن سيبارك لي حرفي..
أعلم جيدًا عُمق سوء النظر كما أعلم جيدًا عمق أفكاري ومبادئي
ليست مجرد مبادئ على فكرة هذا إسلام، دين بمعنى أدق.. ديني أنا وعقيدتي..

تُطيل أشعة الشمس إسقاط ضياءها على كل شيء تراه على وجه الأرض ، تعكس على الوجوه شيء من الجمال..
جمالٌ لا ندرك حقيقته في كلِّ الوجوه بل تغدو الأرواح التي تحمل جمال الصباح شيء نادرًا..
تشغيل الراديو على برنامج "بك أصبحنا" يُحدث تغييرًا في فضاء سمعي بينما ما تراه عيني مختلف..

نتهى الطريق ودخلتُ الجامعة على البوابة تقف فتاتين، كيف لي أن أوصفهم "مرابطات" لا أعلم هل ثمَّة وصفٌ أجمل من هذا.. تتطلع للباس البعض وتلقي كلمات أو أحاديث عن أفضلية الستر..
أشعر بالغصةِ لتعليقات المارات عندها لا أعرف كيف تجرأتْ بعضهن بنعتهن بالسخافة أو التطاول عليهن..
كل من يحاول إظهار الاهتمام يبدو سخيفًا ومتطفل وتلقى عليه أفظع الألفاظ.. حقًا بشر لا تستحق..
من الغباء فعلًا تخيُّل أن ستركِ يعد رجعية وتخلُّف..

نعم أنتِ محقَّة لستِ أنتِ من يجب أن نحافظ عليها..
 تغيظني تلك حين تترك نفسها لطعنات المواقف وصفعات التجارب هي من تعلمها الحياة.
عمق الالتزام، الاحترام العام فضلًا عن كونه دين، فهو من صميم الأخلاق والإتيكيت..  حتى لو كنتِ يهودية أو نصرانية فالحجاب عندهم ستر وفضيلة وحفظ للمرأة..
 أما اللادين العالمي الذي ننساق خلفه لقلة الوعي هذا أمر آخر..
وضعت عباءتي وهممتُ بصعود الدرجات..
هل تعتبر همومي هذه هموم؟ لقد عكروا صفو صباحي..
تذكرتُ محاضرة الخميس الماضي..
كانت كالبلسم في عمق الألم..
كان النبي يصبرُ على وصف "راعنا، أرغب بطونًا" .. كيف لي أن لا
أصبر أنا..

هل الأمر يحتمل الصبر، فبعض الشخصيات نحترمها جدًا باتت تعتبر الإلحاد حرية شخصية..

إسقاط العقيدة حرية، مبادئ كثيرة تسقط من واقع الناس، قرأتُ في مساءِ الأمس عن فتاة عربية تتبنى فكرة إيضاح كيف يقع الظلم على الصهاينة المحتلين لفلسطين.. وتناشد العرب بالتوقف عن ظلمهم!!

شكرًا، بصراحة لكلِّ من ألغى عقله ليستخدمه الآخرون كيفما شاءوا..
شكرًا، لأصحاب اللامبادئ فأنتم عدوٌ نائم قد يستيقظ في أي وقت..
شكرًا ألف، فالناس في الحياة أنواع منهم الأعمى، ومنهم الأعور، ومنهم الأعمش، وتلك البصائر، والضمائر التي يرون بها الواقع هي ذاتها ما تنعكس في تصرفاتهم وأفعالهم..



..


جاهلية براقة (٢)


 )٢(


 


 
للتو وصلنا المطار ،
 زحمة كبيرة وطابور طويـــــــــــــــل ..

أخيرًا جاء دورنا ..
موظف الجوازات بابتسامة:
-       حمدًا لله على السلامة..
-        رد أبي: الله يسلمك..
ووضع أمامه الجوازات ليبدأ في إجراءات الختم والسماح لنا بالعبور..
تطلع الموظف إلى أبي بنظرة فجائية لم أفسرها في البداية..
وفجأة نطق بكلمة ممتعضًا بشدة:
-        أجانب!! هناك قلنا وأشار بيده إلى الصف الآخر، 
ثم هتف ثانية: هنا بس المواطنين..
رد أبي متفاجئًا:
-       لم نسمع هذا طوال وقوفنا في الطابور، يا أخي وقفنا وقتًا طويلًا..
-       آسف لا أستطيع هنا فقط المواطنين.. هناك الأجانب.. هناك..
وظل يشيح بيده 
اضطررنا حمل أمتعتنا وانطلقنا للموظف الذي يليه..
وقفنا مدة من الوقت فقد تجاوزنا دورنا ولم يسمح من كان يقف في ذلك الطابور بالعبور أمامه..

لم أعلم في أولِ حضورٍ لي هنا أننا 
نحنُ من نُنعت بالأجانب..

 



الخميس، أكتوبر 3

جاهلية برّاقة (١)


(1)
أمسكَتْ بالهاتف ضغطتْ الأرقام كانتْ تُحاول التأكُّد من إدارة الجامعة من وصول أوراق قبولها واستقرار وضعها بشكل رسمي..
فمنذ شهرين وهي تركض هنا وهناك..
تُتابعْ أحوالَ قبولها في مرحلة الماجستير..
ينقُلها المسئولون لهذا المكان فيعيدها المسئولون الآخرين إلى ذاتِ المكان الأول أو مكان آخر جديد..
انتهت الجولات بتقديم الأوراق..
داومتْ شهر في الجامعة بلا أوراق رسمية  تُثبتُ قبولَها بشَكلٍ رسمي، فتجربتها السابقة علَّمتْها أن تستفيد من الوقت لا أن يتحكم هو بها..
كلُّ تلك المراحل تذكرتها بينما كان يرنُ الهاتف،
أتاها الصوت..
- نعم
- إن سمحت أنا أسألُ عن سير أوراق قبولي في الجامعة، هل وصلت إلى المسئول؟
هتف بقوة:
- ألم ترسلي أوراقك؟
- بلى فعلتُ..
- إذن كان لابد أن تكوني حصلتِ على ورقةٍ تُفيد قبولك..
- لكنه لم يصلني شيء..
- لم؟ ارجعي لهم لابد أن يعطوك..
هتفت موضحة لربما التبس عليه بعض الإجراءات..
 - أنا منحة داخلية..
 -أنتِ أجنبية!!!
لم تعُد تتألمْ من تلك الكلمة، لكم اعتادتْ عليها، رغم أنها في كل مرة تقال لها تجتاحها مشاعر متضاربة ، أأكونُ أجنبية وأنا من أصول عربية!!
ابتلعت الإهانة، وقالت:
- نعم..
 - انتظري دقائق إذن..
حدث أحد بجواره ،
- أحمد: هل الأجانب لهم إشعار قبول؟
عاد فأجابها :
- عودي لقسم النساء واطبعي جدولك لديهم فلا حاجة لكِ بتلك الورقة..
- قالت: حسنًا
قال لها بنغمة شعرت بإهانة ومنِّة فيها ..
- أنت تدرسين على كفالة الجامعة..
أجابت مدافعةً عن نفسها لتدفع تلك المنة في كلامه وكأنه يدفع تلك الكفالة إن كانت موجودة أصلًا من جيبه الخاص..
 - لا ، أنا منحة داخلية، لا تُغطي الجامعة تكاليف دراستي، أنا أدرُس على نفقتي الشخصية، وهذا مدون في الأوراق الرسمية..
- بل، أنت تدرسين على كفالتنا..
- لم تفهم لمَ هُو مُصِّرٌ كل ذلك الإصرار على إثبات هذا الأمر..
لم تترد في إنهاء المكالمة فقد اكتفت من ذلك المتعجرف..
- حسنًا ، شكرًا لك.
فكل أجنبي عليه أن يتقبل أي شيء..
...



أقصوصات في الحياة (1)

 
 


يتطلعُ المرءُ فينا كلَّ صباح إلى أول مشهد تقع عليه عينيه بعد ليل طويل مليء بـ " الأحلام، والقلق".
يتمنى أن يكون صباحًا أشد تفاؤلًا ، أشد جمالًا ، أكثرُ تغيير في أنفسنا..
قد يدفعُنا صباحٌ جديدٌ أن نغيِّرَ روتينًا معينًا..
أن نندفع بتجربةٍ أولى لشيء جديد..
أقصوصاتي ربما تكون نوعًا من التغيير في حياتي وربما بعضها روتين لا يقبل التغيير..

(1)
ركوب المواصلات عندي، يمر بعدة مراحل:
مرحلةُ تأمُّل وقرارات..
تذكُّر لماضي أحببت دوامه أو استمرار وجوده..
تفكيرٌ في واقع أبهرني، أسعدني ربما بصدمةٍ وأوجعني أحيانًا أخرى..
تسيطر عليّ تلك الكلمات "حسبنا الله ونعم الوكيل"
هل تسمعون أنيني؟
نعم لكنَّ هذا لا يعني ضعفي أبدًا..
يتردد في ذهني..
(نحن في الحرب أسود لا نخاف)
أهازيجٌ جميلةٌ تخترق سمعي
(قفي كبري ناوليني السلاح)
آهٍ من واقعٍ يُكبِّل الأحلامَ فينا ..

أُفيق من شرودي، على صوتِ سؤالٍ يتكرر.. سندس صحيح؟
لا يمكنني إنكار أنِّي لم أعُد أستسيغَ ما أرى..
أسمعُ صوتَ أخي يُكلمني..
هل ستقول لي: إنه من الجنون أن أغمض عيني طوال الطريق وأنا خارج البيت؟
عادي أنا أفعلُ..

يعتقدُ أخي أني بتُّ أنتمي لشيء غريب، وأني أصبحتُ أحمل أفكارًا غريبة..
وأنا أعتقدُ يا أخي أني سأفتقدك كثيرًا حين أكون بعيد..
..
تظل الطُّرق يومًا بعد يوم ما هي إلا سُبلًا لفضاءٍ نريدُ حضوره في خضم الحياة ولا نستطيع اقتطاعه..
وتظلُّ أيضًا مَواطن دروسٍ عابرة لن تتكرر لن تراهم مجددًا..
كل موقف قد يغدو درسًا في حياتك ..
درسًا عميقًا طبَعه أحدهم بمرورٍ عابر دونما يعلم...
..


بعض من حنين ~





في فترة وجيزه
قد تجتاحك العديد من المشاعر
بل الكثير منها


الـــــود ~ الوفاء~
الغضب~
التضحية ~
والحنين ~


ذلك الشعور المستمد من الغياب
وعندما تحاول كتابته


لا تجد حروف تُسَطَّرُ على تلك الورقة البيضاء


تتحرك يمينًا يسارًا
تدورُ عينيكَ في الأفق


وتحتارُ .. يتردد الحرف في أبجديتك..
فأيهما ستبدأ به جملتك..


وأيُّهما تدركُ معه محطَّ شعورك..
وتصفُ به مدار ألمك..


تنتهي بالكتابة العشوائية..
بلا وزن ولا قافية..
بلا ترتيب..
متناثرة الشعور والحروف..


رسائل.. لا تحمل الكلمات بل الحنين
والحنين فحسب..


::::


قد يأخذكَ الحنينُ لكلِّ شيء كل شيء..

:::::::::
النوم~
الحزن~ التأمل ~
الخيال~


وبالأخص الخيال المقصود في داخلك ~

لكنه مع ذلك بكل أسف لا يأخذكَ إليه مباشرة..


فلا يمنحك مجددًا سوى الألم..


إحساسٌ تتلهف معه إلى إطفاء براكين ثائرة.. ملتهبة..لا تعرف للنوم والخمول طعمًا..


هي أمواجُ بحر هائجة..تتخبطُ في كل مكان..لا تعرف للاستقرار طريقًا..


تحترق لها أزهار الحنين..


يطول الحلم والواقع مهما يطول..


لكنك مازلت عالقًا في قوقعة الحنين..


بين الأمس واليوم..
تصبح في إحساس
وتخلد للنوم في إحساس مختلف..



رغم ذلك تشرق الشمس بصفاء تام..
ويبدو القمر في قمة صفائه..


تتنافس النسمات في أبعاد تفكيرك عن كل ما يدور
تنجح حينًا
وتخطىء حين أخرى..



لكنها الحياة
وهو الحنين
لسنا نمتلك حلولا جذرية لكل شيء..


أملى وعزائي
أن هناك بالجنة
سنكون سوية
..~


لا وجود حتمًا لألم الحنين..

سأظل أحنُّ إلى الجنة..


الأربعاء، أكتوبر 2

براءة كل يوم


 أقفُ أمام مدرسةٍ للأطفال كل يوم انتظر ُ السائق الموكل بإيصالي للجامعة.. 
تخطيت مرحلة البكالريوس .. 
كبرتُ كثيرًا وابتعدتُ سنواتٍ كثيرة عن سنِّ الطفولةِ والبراءةِ.. 
لذا فأي طفلٍ أمام ناظري يُعدُّ كمًّا من البراءة أرغب باحتوائه..
تلك البراءةِ التي تركتنا وحدنَا نخوضُ مع الأيامِ معارك الاستقرار..
رغمَ كلِّ المقولات والشعارات التي تؤكد أن زمن البراءة انتهى.. 
إلا أنني حين أقفُ هناك فقط أشعر بهذا العالم السرمدي البريء يحيط بي.. 
أراقبُهم عن كثب، يومًا بعد يوم..
أتطلعُ في وجوههم.. 
يخرجُ الأبُ ويفتح باب السيارة..
ينزلُ الطفلُ ويقفُ بجانبه بكل براءة، يميلُ برأسه للخلف ويرفع بصره، يتطلعُ لأبيه ويتعلقُ بيده.. 
لدى البعض ابتسامة جذَّابة مُشرقة.. 
بينما يهمُّ الأب بالسير نحو بوابة المدرسة..
هنا نقطة التغيير..
إما أن يسيرَ بفرح، وإما أن يبكي وكأنه يسير نحو معتقله.. 
حينها أتساءَل أيُّ العوامل تؤثر في كلاهما..
ذلك المبتسم والآخر الحزين، هل للأب دور في تحفيز  ابنه أن ينطلق نحو الأفق في أولى الخطوات فيملئ قلبه ثقة بنجاحه؟! 
أم أن للمعلم ذلك التأثير في صُنع قلبِ صغيرٍ شغوفٍ بالمعرفة، وإن كان لا يفهم كليًا، بل يجهل تمامًا خريطة مستقبله..
لا أعلم تمامًا لعلِّي أفهم هذا مع الأيام..
فالصباحات هناك مفعمة بالتأمل..